المتابعون

09/09/2019

حكم بالمهب وحكم بالذهب

حكم بالمهب وحكم بالذهب..! حصلت واقعتين في قضية واحدة للقاضي العلامة عبدالملك علي اسماعيل إسحاق المروني.. رئيس محكمة أرحب في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.. أحببت نقلها لكم لثمين فائدتها فيما نحن فيه من إعتداءات على القضاة بسبب صدعهم بالحق.. وما يتعرضون له من ترغيب بسبب عدم صرف مرتباتهم..! ففي يوم كانت قضية بين كبار رؤوس مديرية أرحب منظورة لدى القاضي المروني.. وهو للعلم والد القاضي عبدالملك بن عبدالملك المروني الذي توفى قبل عام رحمه الله.. وبعد حجز القضية للحكم تفاجأ القاضي بحضور قرابة ثلاثين مسلح إلى باب منزله.. ولما خرج الى صلاة العصر في المسجد قطع عليه طرف المدعى عليهم الطريق و اشهروا بنادقهم إلى وجهه.. فتسمر في مكانه مذهولاً.. ولكن برباطة جأش نظر إليهم وهم صامتين.. ثم قال لهم: خير.. ما قد به لهذا كله..! فقالوا: شوف والله لو حكمت علينا في القضية إنك حكمت على نفسك بالموت..! ولما لاحظ أن المعتدين فيهم من الجهل مالا يمنعهم عن إرتكاب حماقة قتله لو تحداهم.. قال لهم: ابشروا بحكم يطيب نفوسكم.. وهو لكم من الآن.. ولا حاجة لهذا التهديد والخوف مني..! وبعد أن سمعوا منه ذلك الكلام، أنزلوا بنادقهم وقالوا له: هكذا أعجبتنا.. بس تذكر إنك لو خلفت حكمك لخصومنا فجهز معه كفنك..! فعاد القاضي إلى منزله حزيناً مقهوراً.. كيف لهؤلاء التطاول والتجاسر على هيبة القضاء.. ولما كان موعد النطق بالحكم في اليوم التالي فقد ظل ينظر إلى ملف القضية و هو في حيرة من أمره.. وبينما كان شارداً يفكر في مخرج لتلك المعضلة، سمع طارق يطرق باب منزله.. فقال لولده: إنظر من على الباب.. فإن كانوا مسلحين فلا تفتح لهم الباب..! فنظر ولده من النافذة فإذا على الباب شخصين مهندمين يبدو من منظرهما علامات الترف والثراء..! فقال: من أنتم..! فقالا: نحن بيت فلان.. أين القاضي عبدالملك..! فقال لهم الولد: إن والده لا يقابل أحد في منزله له قضية منظورة لديه.. وأن عليهم لقاءه في المحكمة..! فأصرا وبكل غلظة أنهما يريدانه فقط في كلمة و سوف يخرجا سريعاً..! حينها تحرج القاضي منهما خاصة وأنهم من كبار مديرية أرحب وقتذاك.. ولم يجد بداً من الإذن لهما بالدخول لمقابلته.. وحين دخلا عليه وبعد جلوسهما عرف أنهما الطرف المدعي في القضية التي حجزها ذلك اليوم للحكم..! فقال: ما هو خبركم يا مدعيين..! قالا: خبر خير.. و جيناك بما تطيب له نفسك..! و بعد سردهم لمقدمة مختصرة عن مظلوميتهم و أحقيتهم للحكم لهم، أخرج أحدهما من جعبته كيس صغير و فتحه أمام القاض. ي ثم دفعه إليه.. وقال: هذه ما هي من قدرك يا قاضي.. ولو لم نكن أصحاب الحق ما أحرجناك.. وقلنا المال يعوض ولا نتقاتل نحن وخصومنا.. ونشتي تحكم لنا لكي يرتدعوا ويقتنعوا..! فنظر القاضي إلى الكيس فإذا به جنيهات ذهب عددها خمسة عشر قطعة..! فقال لهم: هذا الكلام مرفوض.. ولا حاجة لي بمالكم.. خذوه واخرجوا من عندي.. وبكره تسمعوا الحكم..! فقام الرجلان يقسمان الأيمان المغلظة أنها لك يا قاضي.. و أنهما لن يأخذانها مهما كانت الأسباب.. وووو... و حينها صمت القاضي ولم يكرر عليهم رفضها..! وقال لهم: خلاص بكره يكون خير في المحكمة..! و انصرف الرجلان من منزله.. بينما بات القاضي ليلته حزيناً على الوضع الذي وصل إليه حال القضاء في ذلك التاريخ.. رغم أنها كانت قياساً بوضعنا الحالي أيام عز وبركة..! فقال لنفسه: لابد من مخرج لهذه القضية و لنفسه مما قد يناله في حالة الحكم لصالح أحد الخصمين.. وفي منتصف الليل إهتدى إلى طريقة ذكية لم تخطر على بال أي الخصمين..! فقال: يجب أن يصل الأمر برمتة إلى ولي الأمر الرئيس الحمدي ليتحمل مسؤوليته.. ولكن ليس عن طريق طلب الأمن و الحماية والشكوى.. فالقاضي لا يشتكي ولا يشارع.. ولكن كان ذكياً بحيث رتب طريقة ظريفة للفت نظر الرئيس إلى معاناة القاضي من إنعدام الحماية.. وقلة الكفاية له.. و لزوم سد حاجتة حتى لا ينظر إلى ما في أيدي الخصوم.. او يقع تحت وطأة هيمنتهم على مجريات القضية.. فكيف صنع ياترى..! قام بإعداد حكمين متناقضين.. الأول حكم أصدره لصالح المدعى عليهم وبما يتوافق مع أهوائهم وما يطلبونه وختم منطوقه بعبارة هذا (حكم بالمهب ).. و أصدر حكم آخر لمصلحة المدعيين.. وبما تهوى أنفسهم وبما يطلبونه وختم منطوقه بعبارة هذا (حكم بالذهب).. وذيل كلا الحكمين بعبارة واحدة (معروضاً على فخامة رئيس الجمهورية حفظه الله للمصادقة.. وعليه تنفيذ الحكمين والله الموفق ..! وفي الصباح الباكر وقع على الحكمين وذهب بهما لمقالبة الرئيس الحمدي إلى مقر القيادة "الأمن القومي حالياً " طالباً لقاء الرئيس لأمر هام.. ولأن فخامتة كان رجل دولة و يعرف أهمية القضاء ومكانة القاضي وفضله، لم يستمر وقوف القاضي دقيقة على الباب.. وحين دخل على الرئيس قام من مقعده ولقاه إلى الباب.. وسلم عليه بحرارة مقترنة بإجلال و مهابة وتقدير للقضاء..! وقال القاضي: فاجلسني الرئيس.. بحيث كنت أنا أعلى الغرفة.. وهو بإتجاه الباب متجاورين.. وقال لي: خير يا فضيلة القاضي.. ما لذي تأمرونا به.. لاحظوا منطق الرئيس..! فقال القاضي: خير بتوفيق الله.. ما غير أريد مصادقة فخامتكم على هاذين الحكمين.. ولكن قبل ذلك أتمنى أن تطلع عليها وتمعن النظر فيها جيداً.. فأخذها الرئيس وأمر مدير مكتبه أن لا يدخل عليهما أحد حتى ينتهي من القاضي..! قرأ الرئيس الحكمين بهدوء وحرص ومسؤلية و إهتمام.. ولما أكمل الإطلاع عليها سلمه القاضي جنيهات الذهب.. تملكه الإستغراب إلى حد الدهشة.. ونظر إلى القاضي وقال: ما هذا يا فضيلة القاضي.. حكمين متناقضين في قضية واحدة.. وماهي قصة الذهب والمهب.. وضح لي..! فشرح له القاضي ما جرى.. وكله حزن وألم.. و أمل في إيجاد حل لهذا الوضع الذي وصل إليه القضاء.. وحال القضاة في ظل قيادته للدولة.. وليس للقضية فحسب..! حينها وقف الرئيس و هرع إلى تلفونه الخاص.. و طلب إجتماع عاجل بوزير العدل.. أظنه كان حينها العلامة عبدالله عبدالقادر.. و وزير الداخلية.. و وعد القاضي بحل هذة الإشكاليات خلال 48 ساعة.. معتذراً للقاضي بحرقة عما جرى.. ومتعهداًً بعدم تكراره مستقبلاً..! و لثقة القاضي بولي الأمر وبحرصه على بناء دولة من خلال الحرص على بناء قضاء قوي.. رغم قلة الإمكانيات.. انصرف ولم يسأله مالذي سيفعله.. ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا بحبس طرفي القضية.. وصدر قرار برفع مرتبات القضاة.. كما وجه وزارة الداخلية بالضرب بيد من حديد لكل من يحاول النيل من هيبة و مكانة القضاء و القضاة.. ودعم إستقلال القضاء.. بحيث صار القضاء سلطان على السلطان نفسه.. وهو صاحب الكلمة العليا في البلاد..! فرحم الله الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي و رحم الله القاضي عبدالملك علي المروني.. و رحم الله قدسية وهيبة ومكانة القضاء إن لم يقم القضاة بالحماية والدفاع عنه! منقوووول

ليست هناك تعليقات: