بقلم / حسن الدوله
الحروب التي يدور رحاها منذ نهاية الربع الاول من عام 2015م الداخلية منها والخارجية هي حرب سياسية بامتياز اتخذت طابعا دينيا منذ الوهلة الأولى ، بسبب ان حليفي الإنقلاب على العملية السياسية رفعا شعار محاربة الدواعش ، وبالمقابل رفع الطرف الأخر شعار مقاومة الروافض والمد الفارسي ، وبهذه الصورة الفجة ازدادت الحرب اضطراما وسعيرا، وذلك لأن الحروب الدينية هي حروب كراهية ودم وبؤس ، إنها حروب ذروة الانحدار الإنساني والأخلاقي، ولنأخذ مثلا تلك الحروب التي حصدت ملايين المسيحيين البروتستانت والكاثوليك ولنستعيد ذكر مذبحة المذهبية المسيحية البوهيمية "سانت بارتملي" التي حصدت ثلاثين الف مسيحي وهي واحدة من عشرات المذابح والمآسي المذهبية الدينية في أوروبا لحظة القرون الوسطى الأوروبية المعتمة - كنموذج لدموية الحروب الدينية ، وذلك نظراً للتشابه ما بينه وبين ما نعيشه من تنابذ مذهبي ظلامي، تقوده قوى سياسية بالتعاون مع مستثمرين عقائديين..
ومن المعلوم أن الحروب السياسية تنسى بمجرد ان تجف الدماء، بينما الحروب الدينية تستمر عبر القرون لأنها مدونة في بطون الكتب الفقهية لدى كل المذاهب مقرونة بالتكفير والتفسيق والتنجيس ، وكل طرف يبيح دم الطرف الأخر حتى ان ابن الصلاح شيخ ابن تيمية قال إذا غزى الكفار ديار اهل السنة ومعهم مئة رمح وخلفهم روافض لا يقاتلونهم فليرموا ب99 رمحا الروافض ورمحا واحدا على الكفار.
هذه الثقافة هي التي تصنع التباعد والتكاره الذي يستحيل معه التعايش والتعددية، وأن المحصلة معاناة الشعوب المستلبة فكرياً ودينياً لحساب فئات غير مهجوسة بغير نفعياتها الطائفية والسياسية التوسعية والاستعدائية، تداخل الأجندة السياسية في الدين والمذهب كفيل بتحويلها إلى ثكنات كراهية وفناء وحرب دائمة، إن مشكلة العقائديين أنهم يتعبدون لله في حربهم تجاه مخالفيهم مذهبياً، ويتقربون إلى الله في ذلك، ولنا أن نتابع غلواء الطائفيين في القنوات الإعلامية ومنصاتها وكيف يستفرغون جهدهم في منازلة المختلف المذهبي.
وعليه فأننا نتساءل ونقول ماذا يريد السنة من الشيعة؟ ، وماذا يريد الشيعة من السنة ؟ وماذا يتمنى السني؟ وماذا يتمنى الشيعي؟ وما الذي يتجهون إليه في النهاية غير التباغض والكره سفك الدماء المتبادل وتدمير الأوطان وتفكيك البنى الوجدانية الوطنية؟
التاريخ يسجل لنا أبشع المذابح، وأقبح الحروب والصراعات التي دارت بين المذاهب الإسلامية السياسية والفكرية، والمحصلة أن زادت حدة وحجم التباعد والتنافر والتنابذ بين أبناء الوطن الواحد فحسب.
فحروب المذهبين لم تتوقف عند الأسلاف بل سحبت وتسحب نفسها على مر العصور والدهور لأنها حروب كلامية تنزف دما كلما تذكرها الخلف وسوف تستمر حتى يتم ردمها بإشاعة قيم التسامح والتعايش كما عمل الغربيون حين تمكنوا من التخلص من الحروب الدينية عندما عملوا بتعليمات المسيح " ما لله لله وما لقيصر لقيصر " فجنبوا الدين الصراع السياسي ومنعوا استغلال الدين سياسيا في ظل دولة مدنية تكفل للكل صاحب عقيدة أن يعبد الله وفقا لما يمليه عليه مذهبه وعقيدته.
لئن كانت الصراعات البينية المذهبية قابلة للاشتعال فمن واجب المسلمين ان يفصلوا الدين عن السياسية ، وبعبارة اخرى فصل منع رجال الدين من استخدام الخطاب الديني باسم الدولة ، مع اننا في اليمن نعيش ما قبل الدولة بسبب ضعف وهامشية حضور الدولة الحديثة.
وعلى الأحزاب السياسية ان تتمسك بمسودة الدستور والمطالبة بإنزالها للاستفتاء وذلك بعد اجراء التعديلات اللازمة بغية الوصول إلى الدولة الحديثة الدولة المحكومة بقيمة الوطنية والتعددية الحزبية والتنافس البرامجي ، إذ تستحوذ الدولة الحديثة على المبادرات وخيارات القوة كافة، التي تُمكِّنُها من فرض الوطنية واجتثاث الفكر الإقصائي المذهبي والإثني الذي يخل بمشروطية الدولة، والتي يفترض فيها احتكار القوة والوحدة والسلم الأهلي.
فأوروبا مرت بعهود متطاولة من المذهبية الدينية المسيسة حتى أكلت بعضها، واكتشفت أخيراً أن ثنائية الدين والسياسة، ما هي إلا متوالية فناء ودمار وتقهقر، وأن لا حضارة وبناء واستقرار إلا من خلال إعلاء حرية الفرد، لاسيما الدينية، ويكون ذلك برفع وصاية الدين على الحريات والمصائر، كما أن أوروبا اكتشفت أن ورطتها الأزلية في تماهي الرأسمال الديني بالمستبد السياسي، الذي أحكم قبضته على الحريات عبر إطلاق العنان لرجال الدين في الرقابة والتفتيش على أديان وحريات الناس.
أوروبا الحديثة، الديموقراطية المدنية الراقية، التي نعتبرها المركز في احترام التعددية وحقوق الإنسان، خاضت لقرون في الدم والكراهية الدينية قبل أن تصبح على ما هي عليه الآن، وكانت لتظل سادرة في الظلمات لو ما هي احتكمت إلى نداء العقل ونداء الفلاسفة والمفكرين.
وعليه فقد حان ان نقول إلى هنا وكفى حروبا وعبثا بالوطن من جهة وبالدين من جهة ثانية ، وعلى كل الجماعات ذات التوجه الديني ان تتحول إلى احزاب سياسية وتفصل الجانب الدعوي عن السياسي ، وعلى التي تحمل منها اسماء ذات طابع ديني ان تغير الاسم إلى اسماء مدنية .
كما يقع على عاتق النخب الثقافية والحزبية الشروع في القيام بحملات توعوية لترسيخ قيم التسامح التي من شأنها التوافق على بناء الدولة المدنية ، والعمل على احتكار الدولة وحدها للسلاح، وسحبه من المواطنين افرادا وجماعات ، وتجريم الفرز المذهبي والعرقي والمناطقي. وبذلك نستطيع الإفادة من تجربة الغرب في التخلص من الحروب التي تحمل طابعا دينيا..
من صفحتي على الفيسبوك Hasan Aldawla
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق