المتابعون

17/09/2019

رؤوفه حسن .. رائدة التنوير

"بروفايل" في يوم ذكرى رحيل رائدة التنوير في اليمن الدكتورة /رؤوفة حسن .. العزباء التي أنجبت أجيال من النساء والرجال..
حملت الدكتورة رؤوفة حسن طيلة حياتها اسماً لم يكن اسمها الحقيقي، بل اسما وهمياً ألتصق بها منذ اختارت أن تعمل مذيعة بإذاعة صنعاء في سبعينيات القرن الماضي بعد أن أنهت دراسة المرحلة الإعدادية.

فروؤفة حسن هي أمة الرؤوف حسن الشرقي، غير أنها اضطررت لتحوير اسمها حتى لا يعرف أحد من أفراد أسرتها "المحافظة" والمعروفة بتاريخها الديني أن ابنتها تعمل مذيعة، فحين ذاك كان العمل في الإذاعة "عيباً" بخاصة للإناث ,جاء إختيارها للعمل في الإذاعة كان بداية تجربة الاختلاف التي ظلت رؤوفة تقودها منذ تلك اللحظة والتي كان عمرها فيها لا يتجاوز الـ 12 عام حين عملت في برامج الأطفال، وحتى وفاتها قبل ثمانية أعوام في أحدى مستشفيات القاهرة بعد أن عانت الكبد في آخر أيامها. فالمرأة استطاعت أن تخلق لها تاريخ مغاير في كل شي، وطالما غردت خارج السرب، في شكلها وزيها الذي جمعت فيه بين ما تغطي به شعرها وهي المشدة الرجالية "ما يربط به الرجل رأسه" وبقيته يلف حول الرقبة ليصبح اللثام النسائي "ما تغطي به المرأة اليمنية وجهها" ليكون مميزاً لها كما هي أرائها وما تكتبه، وما تقوله .

كل ذلك ضمن لها أن تكون نجمة تعلق بها الكثيرين وبقيت في قلوبهم، وأخذوا أقوالها مصابيح تنير دروبهم، وترشدهم.

بدأت رؤوفة حياتها العملية كمذيعة ومقدمة ومشاركة في برامج الأطفال، وما أن بدأ افتتاح التلفزيون كانت من الأوائل الذين أنضموا قبل الوحدة إلى تلفزيون الجمهورية العربية اليمنية وهو الاسم الرسمي لليمن الشمالي بعد الثورة وقبل الوحدة في 1990

. استمرت رؤوفة تعمل في التلفزيون والإذاعة وعملت كمعدة ومقدمة برامج خاصة بالمرأة خلال 70-1980، وخلال مسيرتها تقلدت عدة مهام ومناصب منها نائب رئيس المكتب الفني بوزارة الإعلام 84-1986، كما عملت في مؤسسة ادارة المرأة بوزارة الشؤون الاجتماعية عام 76. غير أن ذلك لم يشغلها عن تأهيل نفسها أكاديمياً، فتوجهت إلى القاهرة لتحصل على البكالوريس في الإعلام من جامعة القاهرة، وعادت لليمن لترأس قسم التحقيقات في صحيفة الثورة اليمنية خلال 80-1985. غير ان اللافت أنه لم يكن في اليمن ما يعرف بكلية الإعلام او حتى قسم الإعلام، وكان أغلب من يمتهنون الصحافة ليسوا بإعلاميين، لذا تبلور حلم أول لدى رؤوفة لتنشأ قسم الإعلام ضمن كلية الآداب بجامعة صنعاء.

كان ذلك في مطلع التسعينيات والتي تعتبر أكثر فترة لمع فيها اسم رؤوفة حسن، وظهرت فيها كامرأة مختلفة تماماً ليكون لها الدور الكبير في أن يتحول هذا القسم فيما بعد إلى كلية منفصلة هي كلية الإعلام التي ما تزال حتى اليوم ترفد الساحة بإعلاميين جدد كل عام , أجيال من الإعلاميين اليوم تربوا على يدي رؤوفة حسن، والمعروف عنها أنها كانت تنادي طلابها في قاعات الدرس بكلية الإعلام بكلمة مواطن، وطالباتها مواطنة، وكأنها كانت تريد من خلال هذه التسمية أن تؤسس في عقولهم ما تعنيه كلمة مواطنه وما تضمنه من حقهم أن يحصلوا عليها. تجربة عطاء د.روؤفة حسن امتدت لحوالي أربعين عام، غير أنها لم تخصصها فقط للإعلام وأن كان أخذ جلها، فالمرأة كانت همها الدائم، وطالما دافعت عن حقوق النساء اليمنيات والعربيات وأعلنت حروباً ضد النظام الذكوري الذي يرضخ له مجتمعها.

رفضت على الدوام أن تكون النساء أقل لذا دأبت للتأسيس للمساواة بين النساء والرجال، ويعود لها الفضل في إنشاء وحدة دراسات المرأة عام 1993، وكذلك مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في 1996، كما كانت عضوه في أول مجلس أمناء للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية انتخبته الجمعية العمومية في القاهرة في عام 2009. في العام 99 وبعد مضي تسعة أعوام على الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، تعرضت رؤوفة حسن لحملة ضارية كفرت فيها واتهمت بأنها هربت من البلاد وطلبت اللجوء، تلك الحملة قادها عددا من المتشددين الدينين وحرضوا عليها الناس في المساجد.

ترافقت تلك الحملة مع مؤتمر كان عقده مركزها النسوي كان مؤتمراً ضخماً شاركت فيه أكثر من خمسين دولة وكان يرعاية رئاسية وعنوانه "تحديات الدراسات النسوية في القرن 21"، وتزامن انعقاد المؤتمر مع أول انتخابات رئاسية ,لذا رأت رؤوفة حسن بأن الحملة التي مورست ضدها في تلك الفترة لم تكن إلى كيد سياسي مارسه ضدها أحد الاحزاب السياسية آنذاك، كما ذكرت في حوار أجرته معها جريدة إيلاف، وأوضحت فيه أنها لم تهرب ولم تطلب اللجوء إلى هولندا أو أي دولة أخرى، بل ودعت المؤتمر في آخر أيامه وتحدثت لوسائل إعلام بأنها ستكون في فترة تفرغ لمدة سنة كاملة بالاتفاق بين جامعة صنعاء والجامعة الهولندية ,فبعد حوالي الشهر من المؤتمر غادرت د.رؤوفة اليمن ليواصل من قادوا الحملة ضدها اشاعات بأنها فصلت من الجامعة وطلبت اللجوء بعد الضجة التي أثيرت ضدها بسبب أفكار نوقشت في المؤتمر.

لم ترد د.رؤوفة على كل ما قيل في تلك الفترة وفضلت الصمت،-لتبدأ في ذات العام 99 مرحلة التفرغ العلمي، عملت خلالها كمدرسه في عدد من الجامعات الأوربية، ثم تفرغت لجامعة اولبرخ بهولندا، وبعدها عملت مستشارة للأمم المتحدة في البرنامج الإنمائي في اليمن وتونس ولبنان. طيلة حياتها .

تفرغت د.رؤوفة للعلم وللدفاع عن النساء ويظهر ذلك في مشاركاتها في عدد من المؤتمرات وفي كتاباتها المتخصصة في عدد من الصحف والكتب المطبوعة لها، ومن خلف جسدها النحيل وزيها المختلف كاختلافها استطاعت ظهرت أراؤها القوية و معرفتها الواسعة بالبلدان العربية وحالة العلوم الاجتماعية بها وتذكر سيرتها الذاتية أنها أنشات خلال التسعينيات مؤسسة تخطيط برامج التنمية الثقافية في اليمن رأس هذه المؤسسة والتي تستمر حتى اليوم وتتخذ من صنعاء مقراً لها تزينه صورتها، رأسها عدد من الشخصيات الأجنبية أمريكين وروسيين، غير أن السنوات الأخيرة قبل وفاتها كانت شغلت نفسها بترؤسها، بعد أن عادت لليمن وأصبحت مستقرة فيه.

بلغت د.رؤوفة 53 ولم تتزوج، وطالما أشيع أنها ترفض فكرة الزواج غير أنها في ذات الحوار مع جريدة إيلاف تحدثت عن الأسباب وقالت :"القصة أني كنت وأنا صغيرة لا اقبل بالزواج لأني كنت امتلك تخيلات لما يجب ان يكونو عليه وكانت لا تنطبق عليهم تخيلاتي (التي كنت أتخيلها لفارس الأحلام، مثل نجوم السينما". وتابعت:"بعد ذلك كبرت شوية وبدؤا يكونو اقل في بعض الجوانب في نفس الوقت الذي بدا يكون عندي تطلعات للمثقف والعارف، بعد فترة اكتشفت ان هذه الأمور ليست مهمة واكتشفت ان المفروض ان تكون الحياة شراكة ومودة وسكن وهذا هو الزواج لكني اكتشفت ذلك متأخر حيث بدا هذا الشريك (الذين يتقدمون) طلع انه متزوج وعنده أطفال وبالتالي ما عاد عندي استعداد لعيش هذا النوع من الحياة ولذلك ألغيت الفكرة وخلاص" انتهى عاشت عازبة لكنها أنجبت أجيال من النساء المختلفات والرجال المختلفين، كانوا طلابها في الكليات التي درست فيها، أو من حالفهم الحظ ليكونوا تحت إداراتها أو تدربوا في الدورات التي كانت تقيمها وتدعى للمحاضرة فيها.

وأخيراً غير أن أكثر ما لفتني وأن أبحث عن معلومات لأكتب عن د.رؤوفة حسن أن صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ما تزال تعمل، وان كثيرين ما يزالوا يحتفظوا بها ضمن أصدقائهم رغم رحيلها عن عالمنا منذ ثمانية أعوام. بل أن بعضهم يكتب له خواطره وفي كل ذكرى لرحيلها تنشط صفحتها بعبارات مؤثرة يكتبها أبنائها ومجيليها، وهذا أن دل على شيئ فما هو إلا ما استطاعت أن تحققه هذه المرأة لتحتفظ بكل هذا الود والتقدير حية وميتة.

#اليمن_العربي_ نجلاء حسن
.

ليست هناك تعليقات: