#سوريا
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لمنحوتة الآلهة عشتار، تم نحتها على شجرة قديمة يابسة في منطقة جسر الرئيس-دمشق من قبل طلاب معهد الفنون التطبيقية، كجزء من مشروع فني لتزيين تلك المنطقة ضمن مهرجان "تحت سماء دمشق"، وقد أثارت تلك المنحوتة سخط مجتمعي على وسائل التواصل واصفين ذلك العمل الفني الجميل بالدعوة للفجور والرزيلة، والترويج للتعري والإباحية، كما اعتبروا تلك المنحوتة "جريمة ضد النساء" بغية عدم إدخالهن في الجانب الجنسي، بالإضافة إلى الإشارة أن تلك المنحوتة بالذات هي إساءة "لشعور الناس وأخلاقهم وقيمهم".
وبسبب التنمر والشتائم والإساءات التي تعرضت لها الطالبة ريم الدهان التي قامت بنحت المجسم بمشاركة زميلها رضوان الباسط، قام الاثنان بتعديل المجسم وقصّه والإبقاء على رأس عشتار وتاجها فقط، وقد كان ذلك بطلب من مدير معهد الفنون التطبيقية إثر الضغط الشديد الذي تعرض له.
ازدواجية المعايير عند المجتمعات العربية الأبوية في مواضيع الشرف والعفة والجنس أمر معتاد، نظراً للعلاقة القهرية التي تربط الفرد بالمجتمع حوله، والذي يبقيه في حالة مراقبة وانشغال بالأمور الجنسية والحفاظ على العفة واعتباره الراعي والحامي المسؤول عن حفظ الشرف وعدم انتشار الانحلال الأخلاقي المتمثل بجسد المرأة، وذلك للتغطية عن المساوئ والجرائم الإنسانية التي تُرتكب ضمنه، كغض نظر الفرد عن الفقر والتشرد والفساد والجرائم، وقيامه بملاحقة الفئات التي تعتبر مسحوقة في مجتمعنا كالنساء والأطفال، واعتبار النساء وأجسادهن مصدراً للإباحية والجنس الرخيص، بالإضافة للشيطنة والشرور الذي يقود بالشباب "المؤمن" إلى التّهلكة.
المجتمع الذي يدعو بشكل قهري لصون الشرف هو نفسه المجتمع الذي يغتصب ذلك الشرف، وهو نفسه الحامي المحتقن بالمساجينية باطناً وادعاء الخوف على أخلاق النساء والبقية من شعبه ظاهراً، وهو نفسه من يحمل ترسبات العصر العبودي الذي قسم المجتمع إلى أسياد وعبيد ومالك ومملوك ورجال ونساء، وهو نفسه الذي يدّعي إنهاء الرق ظاهراً ويستعبد النساء والأطفال في منزله باطناً، هو نفسه من يدعي تكريم المرأة والحفاظ على قيمتها ظاهراً وينجسها باعتبارها مصدراً للشرور والقذارة الجنسية باطناً، وهو نفسه من يمنح بضعة قطرات من الحقوق ظاهراً ويرتكب آلاف الانتهاكات ضدها باطناً.
النظرة التسليعية الجنسية لذلك التمثال الجميل المنحوت على شجرة بشكل يذكرنا بأصل الحضارة التاريخية التي كانت فيها عشتار آلهة ومصدراً للخصب، لا يذكرنا إلا بشعور الغيرة الذي طرأ على الآلهة الذكر في فترة من فترات التاريخ، والذي أعلن انقلابه على الآلهة الأنثى بسبب قدرتها على الولادة والعطاء والمنح بالإضافة إلى ارتفاع مكانتها ارتفاعاً كبيراً، إذ أن جميع علماء التاريخ يجعون أن المرأة كانت عصب الأسرة ومساوية للرجل في الواجبات والحقوق والألوهية قبل نشوء الأسرة الأبوية، وأن تشويه العلاقة بين الجنسين وسيادة جنس على آخر كانت بسبب التشويه الإنساني ضمن تلك الحضارات القديمة جرّاء انتشار الأطماع الاقتصادية وسيطرة الرجل على الأراضي واستملاك العبيد والأولاد والنساء وسلب الشرف منها.
وبعد أن أصبحت المرأة حليفة للشيطان ورمزه الوحيد على الأرض، تم صياغة تماثيلها بطرق أخرى توضح لنا ذلك، فبدلاً من التماثيل الأولية التي كانت تجسد المرأة بحجم الرجل مع التركيز على أعضاء الإنجاب والعطاء، أصبحت تُنحت أصغر من حجم الرجل دليلاً على انخفاض مكانتها، حيث تقول المفكرة نوال السعداوي في كتابها "الأنثى هي الأصل: " اكتشف علماء التاريخ أن المرأة المصرية القديمة بعد أن كانت تُرسم على الجدران بحجم زوجها تماماً دليل التساوي في المكانة والقدر، أصبحت ترسم بحجم أصغر من زوجها، ومعنى ذلك أنها أصبحت أقل قدراً من زوجها.
بدأ ذلك الانخفاض في مكانة المرأة مع بدء ملكية الأرض، واستمر وضعها منخفضاً في عصر الدولة الوسطى، ثم الأسرة الحادية عشرة حتى الأسرة الثالثة عشرة، وعصر الهكسوس بسبب تفشي الإقطاع والظلم".
وقد تابعت الأديان الإبراهيمية تخفيض قيمة ومكانة المرأة لاحقاً، حيث كان أولها اليهودية التي قامت على جذور الإقطاعية، ومن ثم المسيحية التي ارتكبت مجازر ضد النساء المفكرات " مصيدة الساحرات"، حيث تضيف الدكتورة نوال: "كانت التقاليد الدينية في ذلك الوقت تشيد بالطبقية والإقطاع، وتقول إن الإله هو الرب الإقطاعي صاحب الأرض، وحيث إن هذا الإله قد عين الكهنة ممثلين له على الأرض، فإنهم أصحاب الأرض من غير جدال: وبذلك انقسم الناس إلى أسياد، وهي أصحب السلطة والأرض والعلم، وعبيد من الفقراء والأجراء، وفي النهاية جنس النساء المنحط".
ومن ثم تابع الدين الإسلامي ادعاءه لتكريم المرأة ظاهراً وقمعها باطناً، إذ أن تشويه حقيقة النساء والفصائل التي اعتبرت أدنى من الإنسان، حدثت لأسباب استغلالية اقتصادية تصب في الطمع الإنساني، فاستطاع من اعتبر إنساناً بدعم من الأديان الإبراهيمية والعلم المتحيز القاصر حينها بتبرير ذلك الاستغلال والتشويه بالعلم أحياناً والأخلاق والفلسفة في أحيان أخرى. منقووووووووول من
#ريبال_وردة
#النسوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق