المتابعون

12/09/2019

تفكيك اليمن

كتابات| د. عبدالقادر الجنيد

" تفكيك اليمن

تشاتهام هاوس يُنظِّر لتفكيك اليمن بالاستدلال بماركس فيبر وعلم الاجتماع

تلخيص طويل، مع تعليق مني

Abdulkader Alguneid(عبدالقادر الجنيد)
*
١٢ سبتمبر ٢٠١٩

تقرير طويل لمركز التفكير العالمي الشهير في لندن- تشاتهام هاوس- الذي يعتبر المخ المدبر لوزارة الخارجية البريطانية.

يمد تشاتهام صانع القرار البريطاني بالبحوث والتنظير والتفكير بالحلول البديلة لحل المشاكل حسب هواهم أو حسب ما يخطر على بال أحد الخبراء المتحاذقين الذي يريد أن يصنع لنفسه إسما ومجدا أو تأمين مستقبله.

وتحت دعاوي بأن المشكلة عويصة والمعضلات جوهرية ومتجذرة في الأرض، فإنه يجب التفكير خارج الصندوق واعتماد الحقائق والوقائع والأوضاع على الأرض كحكام ولوردات أمر واقع.

(أي نوافق على أن يحكمنا أعفاط وفتوات وقبضايات وميليشيات مذهبية طائفية مناطقية وسلالية وانفصالية، تمكنوا من البروز في مناطقهم بالفساد الداخلي أو بدعم لوجيستي وعسكري وأموال من دول أجنبية)

**
الأفكار المحورية لتقرير تشاتهام
**
أولا: بحث في الفوضى وانهيار الدول
Yemen is a chaos state
—- —

•انهيار الدول الكامل أو الجزئي، شيئ مألوف في العالم ويمكن أن تكون الدولة منهارة بالرغم من احتفاظها بحدودها الدولية المعترف بها
هذه الدول تعتبر منهارة لأنها لا تقدر على القيام بوظائف الدولة الأساسية.

وبسبب هذا الفراغ الحكومي، فإنه غالبا ما تنشأ إما قوى موازية تتشارك مع الدولة في تأدية وظائفها أو تحل محلها تماما.

وقد تكون هذه القوى البديلة للدولة والحكومة، جهات معارضة أو أحزاب دينية أو قوى بعصبيات طائفية أو مناطقية أو سلفية جهادية، وهناك أمثلة لكل هذا في كل مناطق الشرق الأوسط.

ونتيجة لفقدان التمييز بين ما هو دولة وحكومة من جهة وبين ما هو غير رسمي ولا قانوني من جهة أخرى تنشأ مصالح واقتصاد كامل خارج القانون بجانب الإقتصاد الرسمي.

وهنا تنشأ أنظمة سياسية هجينة.
أي خليط بين الشرعية الرسمية وميليشيات الأمر الواقع.
ومع هذا الهجين تأتي مشاكل:
الانفلات الأمني والفساد والعنف السياسي والاغتيالات والفقر.

التعاطي مع هذه الأنظمة السياسية الهجينة، يعتبر من أكثر المشاكل المحبطة عندما يأتي من يحاول إعادة بناء الدولة.
هذه القوى الشاذة المرتجلة والتي ابتكرت وسائلها لتتسيد وتبرز على الأرض في ظل الصراعات المحلية التي استفحلت بسبب انهيار مؤسسات الدولة.

يدخل تقرير تشاتهام بعد ذلك في تنظيرات وتخريجات عن الفرق بين الدولة التي تعمها الفوضى والدولة التي في طريقها إلى الفشل والدولة التي قد أصبحت فاشلة فعلاً.

ويخلص البحث إلى أن اليمن تعتبر بلاداً تسودها الفوضى.
وأن الجماعات والقوى التي نشأت من رحم هذه الفوضى تقدم شيئا من "النظام" في هذه البلاد التي تقع في منطقة رمادية قد غابت فيها الدولة ولكن مازال فيها نوع من "النظام".

وهذه القوى في حالة صراع مع بعضها في عملية طويلة المفروض أن تصل بالبلاد إلى تحولات كبيرة.

ويعتبر التقرير بأن المجتمع الدولي، على خطأ بالتعامل مع هذه المسألة.

فالاعتقاد بأن المساعدة في توفير الخدمات الحكومية المعتادة مثل توفير الماء والكهرباء والصحة والتعليم، الخ عن طريق جهاز بيروقراطي يمكن أن يساعد على استعادة الدولة عن طريق إعلاء سيادة القانون والمساءلة والمحاسبة واتباع الوسائل الديموقراطية، يعتبر نوعا من المثالية غير العملية.

وفي بعض الأحيان، يقوم صناع السياسة الدولية وأصحاب القرار العالمي بتعطيل هذه التحولات التي تجري بين القوى المتصارعة على الأرض بمحاباتهم وتفضيلهم لقائد معين أو جماعة معينة على الأرض (هنا طبعا يقصد هادي)، فيتسببون بمقاومة ومنع ظهور قيادات جديدة وأيضا هذا يؤدي إلى الغرق في حلقات تنافس وصراع.

*
ثانيا: الحاجة لمقاربة جديدة لعملية بناء الدولة
The need for a new approach to state building
— - —
الجميع محتار في فهم تعريف ماهية الدولة.

يعتمد التقرير ما اعتمدته دول الغرب لتعريف الدولة.

وهذا التعريف هو الذي قال به ماكس فيبر Max Weber أحد رواد علم الاجتماع:
الدولة:
"أراضي ثابتة المعالم، تحكمها سلطة مركزية بالاحتكار الحصري للوسائل المشروعة للعنف"

(يعني بكلمات مباشرة، إن الدولة وحدها هي من يجب أن يملك السلاح ويستعمله بواسطة الشرطة والجيش)

وعندما يقوم المجتمع الدولي والأمم المتحدة بمحاولة الاقتراب من بلد تسوده الفوضى، فإنه يعتمد تعريف ماكس فيبر لمفهوم الدولة، ولكن ما يحصلون عليه على الأرض، يكون عكس ما كان في خاطرهم أو نواياهم في البداية.

صانعوا السياسة والمسؤولون في المجتمع الدولي (الغربي)، يتبنون مفاهيم تكنوقراطية يابسة ومتصلبة معتمدة على تعريف ماكس فيبر "الأمني" لمفهوم "الدولة"، عندما يحاولون بناء الدول التي تعمها الفوضى على أسس تشابه مؤسسات الدولة في بلادها الغربية.

وعلى هذا فإن بناء الدولة، اعتمد عندهم على التعرف على والبحث عن ما يمكن أن يكون إسميا وليس فعليا:
النخب السياسية 'الشرعية'
وإضفاء مسمى الشرعية عليها- غالبا عن طريق انتخابات- ونحصل بهذا على الرئيس الشرعي للبلاد.

ويقوم المحتمع الدولي بمساعدة هذا الرئيس الشرعي- الذي وصل إلى الرئاسة بجهودهم- بتزويده بما يحتاج من المؤسسات والموظفين والجهاز البيروقراطي الذي يعمل تحتهم.

•نقد مرير للشرعية في بلد مثل اليمن
— - —
ثم ينتقد تقرير تشاتهام هاوس اللندني، تفكير المجتمع الدولي وطريقة مساندته لدعم الشرعية في بلاد فوضوية، قائلاً:

مثل هذا التفكير الغربي وهذه المقاربة للشرعية يتناقض مع نفسه:

فمن جهة يقبلون بأن الدولة ضعيفة أو هشة أو في طريقها إلى الفشل أو قد فشلت فعلاً؛
ومن جهة أخرى يحاولون دعم نفس الأشخاص ونفس النخب الذين كانوا مسؤولون عن تسيير أمور هذه الدولة وهي تنهار وتنحدر نحو الفشل، على أمل بأنهم إذا تلقوا الدعم المناسب والتدريب المناسب، فستكون النتيجة مختلفة هذه المرة.

ويضيف التقرير بأن هؤلاء الذين برزوا في ظل الشرعية والدعم الدولي، يغتنمون مصالح ومكاسب في ما أطلقوا عليه إسم "الإقتصاد المسيس"، ويقومون بأشياء تتعارض مع ما يريده صناع القرار الدولي الذين هم أصلاً من جاؤوا بهذه الشرعية لهذا الرئيس وهذه النخب.

ثم يختتم تقرير تشاتهام اللندني نقده للشرعية، بأن هذه الشرعية تقوم:
١- بإعاقة التحولات المطلوبة لبناء الدولة
٢- تستبعد القوى والميليشيات المسلحة (الحوثي، المجلس الانتقالي، مثلا) الموجودة على أرض الواقع وبالتالي يحافظون عى بقاء العنف واستمرار الفوضى وعدم الاستقرار.

*
ثالثا: اقتراح دولة متعددة الطبقات لليمن
Multi layered state
— - —
هذا النوذج مبني على أنه توجد أربعة أقسام، التي هي تكون رأس المال البشري للدولة:

١- الرئاسة الشرعية
(هادي)

٢-البيروقراطية الرسمية
(التكنوقراط الذين معهم المهارات لتنفيذ البرامج والخطط وهم موجودون تحت سلطة الشرعية في الرياض وفي المناطق المحررة وتحت سلطة الحوثي في صنعاء)

٣- قوى الأمر الواقع على الأرض
(يعني أقرب شيئ هو الميليشيات وهي تتحدى الرئيس وتريد القضاء عليه)

٤- المجتمع
(المتلقي والمستعمل النهائي لنتائج أعمال الشرعية والبيروقراطية والميليشيات)

•ثم انتقل التقرير التشاتهماوي اللندني إلى القول بأن هناك فجوة في هذا "النظام الهجين/ المفتت"- حسب وصفه- بين الشرعية والقدرة والقوة اللاتي قام بتعريفهن كما يلي:

١- الشرعية
Executive
صاحبة الحق في قيادة البلاد والتحدث بإسم اليمن

٢- القدرة
Capability
القدرة على الحفاظ على قوة مسلحة على الأرض وتحصيل الضرائب ونهب الأسواق، الخ.
(يعني ميليشيات الحوثي والانتقالي، وسلطات الأمر الواقع الأخرى)

٣- السلطة
Power
هي القدرة على إقناع أو إرغام الناس بأن يقبلوا بأشياء لا يرضون عنها من ذات أنفسهم.
وهذه وظيفة الشرعية.

•ويقترح تقرير تشاتهام ضرورة إيجاد نوع من التزاوج بين البيروقراطية وسلطات الأمر الواقع.

أي زواج بين تكنوقراط البيروقراطية الرسمية اليمنية الموجودة في صنعاء وتعمل مع الحوثي أو الموظفون الفنيون العاملون مع الشرعية في المناطق المحررة من اليمن أو المغتربة، لتسيير أمور اليمن.

(وربما هذه النصيحة هي ما حاول المفوض الأممي مارتين جريفثس تمريره في اتفاق ستوكهولم ويحاول الآن جاهداً تنفيذه في ما تبقى من ستوكهولم وهو إعادة انتشار القوات في الحديدة على ظهر باخرة في مياه دولية وسط البحر الأحمر بين الشرعية والميليشيا الحوثية)
(مع العلم بأن كاتب هذا البحث هو بيتر سالزبري، باحث في تشاتهام هاوس، وعامل في مجموعة الأزمات الدولية التي عينت نفسها مسؤولة عن اليمن، وهو من مستشاري جريفثس)

*
رابعا: إدارة الهجين اليمني المتشرذم، من وسطه ومَخْرَجْ
Managing fragmentation by using a ‘middle-out’ approach
— - —
•الوسط يعني:

١- البيروقراطية التكنوقراط
٢- سلطة الأمر الواقع الميليشياوية
ويقوم المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتزويجهما لبعضهما البعض

•والمَخْرَج، يعني:

١- رئاسة هادي
ويتم تجاهلها
٢- المجتمع
ويتم إدارته بالزواج المستحدث بين البيروقراطية والميليشيات

*
رابعا: تعليق مني أنا
— - —

أولا: هذا التقرير يصب في صالح الحوثي.

١- الحوثي، هو أشرس ميليشيات قوى الأمر الواقع وأكثرها فتكا.

٢- الحوثي، أقبض يديه على كل أمور الدولة اليمنية والمناطق ذات الكثافة السكانية ويسخرهما مع العصبية السلالية والقبلية الشمالية والمناطقية الشمالية، ويعرف تماما ماذا يريد وسيتلاعب بالمجتمع الدولي وبالأمم المتحدة وبأفكار تشاتهام هاوس اللندنية وسيستفيد منهم كلهم وسيعصرهم جميعا حتى آخر قطرة في حبة الليمون ثم يرميهم كلهم مع أفكارهم للزبالة.

٣- الحوثي، قد قام وبنجاح بتجريف البيروقراطية الرسمية وطبقة التكنوقراط والدولة العميقة للنظام السابق.

الحركة الحوثية، تقوم على ركيزتين:
أ- الإصطفاء العرقي
وقد أحلوا بني جنسهم وسلالتهم محل "الآخرين" في كل المناصب
ب- الجنون الفاشي
وقد تخلصوا من كل من ليس منهم ولا "يواليهم".

أي أن تشاتهام هاوس وبيتر سالزبري، لم يعد معهم بيروقراطيون ولا تكنوقراط ليزاوجوهم مع الميليشيا الحوثية "من الوسط إلى مخرج".

٤- الحوثي، متحالف مع إيران.
وإيران لا تغير مواقفها ولا تتخلى عن حلفاءها وأصدقاءها مثل أمريكا والسعودية والإمارات وبريطانيا والأمم المتحدة

٥- الحوثي ومعه إيران، متيقن من ضعف خصومه وبأن نفسهم أطول ويرى بأنها مسألة وقت قبل أن يلتهم كل شيئ ويضيف اليمن إلى دول محور إيران في المنطقة.

٦- سبق وأن التهمت إيران لبنان وسوريا والعراق من أفواه أهل البلاد وأمريكا والسعودية والإمارت، وهم متيقنون بأنهم سيكررون نفس الشيئ في اليمن.

وعندها يَبِلْ ويُخَسِّعْ بيتر سالزبري وتشاتهام هاوس تقريرهم بالماء ويبلعه.

*
ثانيا: هذا التقرير يصب- مرحليا- في صالح الإمارت والمجلس الانتقالي والإنفصال

١- المجلس الانتقالي، يواجه معارضة جدية في الجنوب كله وخاصة من أبين وشبوة ولا يمكن أن يبقى لحظة إذا تخلت عنه الإمارات.

٢- الإمارات، نفسها قصير وستتعب إن عاجلا أو آجلا وتخرج من عدن واليمن، ويصبح تعامل جريفثس وأفكار تشاتهام هاوس في خبر كان وأنباء الماضي.

*
ثالثا: ذكر الكثير من الوقائع والأحداث الصحيحة، لا يجعل من مجموعها حقيقة

١- لا ننكر ضعف أداء مؤسسة الرئاسة اليمنية، سواء من الرئيس أو نائب الرئيس أو كل الحكومة أو قادة العسكر والأحزاب التي تؤيد الشرعية.
وربما هذا أقوى ما في حجج التقرير البريطاني.
ونحن ننتقد مؤسسة الشرعية من الداخل طوال الوقت.

ويجب أن يخلصونا من سوءهم وعيوبهم، وإلا فإنها مسألة وقت قبل أن تتحلل مؤسسة الشرعية ويذوبون كلهم من داخلهم بدون الحاجة لفعل فاعل ولا لأفكار من تشاتهام هاوس.

٢- تجاوز رئاسة الشرعية، لن يحل مسألة العنف الداخلي ولن يأتي بالاستقرار.

قد تحدث هدنة لمرحلة.

ولكن اليمنيون، لا يمكن أبدا أن يسمحوا بوضع للحوثي في اليمن كنسخة لنصر الله في لبنان أو خامنئي في قم.

والجنوبيون ومعهه كل اليمنيين، لن يسمحوا بسلطة الأمر الواقع للمجلس الانتقالي في عدن.

ولا أي سلطة أمر واقع في تعز، يمكن أن تستمر.

أي أن أفكار بيتر وتشاتهام وجريفثس، ما هي إلا بذور لفتن ودماء وفوضى تنتظرنا.

*
رابعا:لا حل في اليمن، بدون عقد اجتماعي شامل.

واليمنيون، قد انتجوا بواسطة المجتمع الدولي مخرجات الحوار الوطني.

واليمنيون، لا يستطيعون بأنفسهم تنفيذ وتطبيق مخرجات الحوار الوطني.

والسعودية والإمارات، لا يخدمون مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن ٢٢١٦.

وتشاتهام هاوس ومعه بريطانيا، وهذا الخبير حقنا (بيتر سالزبري) كاتب هذا التقرير، قد أصبحوا ضد القرار ٢٢١٦

لماذا لا تساعدوا اليمنيين في لم شملهم وبقاءهم، بتنفيذ القرار ٢٢١٦، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية؟

لماذا لا تنفذوها، وهي كلها نتيجة جهود بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات، وكل القوى العظمى والإتحاد الأوروبي؟

لماذا تتقفزون وتتنططون من فكرة إلى فكرة مثلما يتقفز الرَّبْحْ (القرد) من جرادة إلى جرادة ويرمي ما بيده؟

ما تعملونه، إنما هو شغل رُباح وقرود ولا ينفع اليمن بشيئ.

*
رابعا: تحاذق الخبراء الأجانب في شؤون اليمن

١- ربما هذا التقرير، هو أفظع وأشمل عصف فكري غربي يتدخل في شؤون اليمن.

سفسطة، واستعمال منطق قائم على مهارات في الجدال يتعلمونها في المدارس والجامعات.

٢- لا أشك لحظة بأن نفس الكاتب لهذا البحث، يمكن تكليفه بأن يأتي لنا ببحث "معاكس ومخالف" تماما لبحثه هذا الذي ينشره اليوم مركز تشاتهام البريطاني، ويكون بحثه الجديد حتى أكثر أكاديمية وسفسطة واستعمال للمنطق وفنون المجادلة.

عبدالقادر الجنيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٩"

ليست هناك تعليقات: