المتابعون

05/09/2019

بحث في الهوية اليمنية والعابثون بها

بحث في الهوية واليمنية والهوية اليمنية، والعابثون بها

للأستاذ محمد عقيل شهاب
/
 الهويات الشاذة و مسار الصراعات في اليمن


كاتب البحث : محمد عقيل شهاب

المقال اثاره نقاش بيني و بين صديق من عدن ينتمي للانتقالي
و كيف انه متحمس لقتال الشماليين (الشرعية)

اعتقدت اني سأكتبه في ساعة و لكن اخذ خمس ساعات و وجدت ان الموضوع معقد و تفاصيله عديده

حاولت اختزاله في الأخير بالخلاصة التاليه ،  و هو ضرورة وجود دولة تمثل كل الهويات و بشكل قويم يشعر الجميع بالانتماء  و و اننا كلنا جزء اصيل من الاخر و يقوم على عقد اجتماعي عادل مؤسس على المواطنة المتساوية الحرة

مسألة الهوية هو سلاح فتاك
لليمن ان احسنت الدولة ادارته و عليها ان اساءت ادارته (و هذا حالنا للاسف)
و يحتاج للتفاعل البناء من قبل مكونات الهويات الوطنية الأدنى كالقبيلة و الحزب و المذهب و عيرهم للمساهمة الفاعلة في حسن ادارته
مالم فسيكون المصدر الاساس للضعف و الهوان و الانهزام اليمني .

ان اكبر معضلة تهدد الامن القومي و الوطن اليمني هي إشكالية الهوية

الهوية: الماهية و الشعور بالانتماء و القاسم المشترك بين الأفراد

تبدو هذه المشكلة غريبة على الحضارة اليمنية الضاربة في عمق التاريخ و التي يتجاوز عمرها  خمسة آلاف عام فهي الأقدم في جزيرة العرب و يفترض انها الارسخ بين دول المنطقة حينما يتعلق الامر بالهوية

هل يشعر اليمني بان الانتماء لليمن يحتل مرتبة الصدارة بين الانتماءات الاخرى
هل هوية اليمن تأتي اولا فتليه الهويات الصغيرة كالحزب او القبيلة او المنطقة
او الأصغر كالمليشيا او السلالة
ام انها تأتي ثانيا او ثالثا او آخراً و هنا تكمن الخطورة

في الوقت الراهن و بسبب تشوه الهوية اليمنية و وهنها فهي تأتي متأخرة لدى قطاعات واسعة من  اليمنيين
و هذا ما يقود للتهديد الجسيم لأمن اليمن القومي و دولته
فتضعضع الهوية الوطنية يعني بالضرورة تهديدا وجوديا لبقاء الكيان الوطني
و حتمية الانهيار و التمزق و التحول لكيانات دونية
و الاقتتال البيني المستمر بين الهويات المتخالفة و الانهزام الداخلي قبل الخارجي

فالهوية هي قوة الجاذبية التي تلحم المجتمع بمختلف مكوناته (القبيلة، الحضر، الاسرة، المنطقة، الحزب و الخ)  و تكون الدولة

تقاس قوامة الهوية الوطنية بمدى مرونتها و قدرتها على التعايش و الانفتاح على الاخر مع الاحتفاض بالخصوصيات لمختلف الجماعات و المكونات
بحيث يشعر الجميع بالانتماء

الاعتزاز بالذات مفتاح الانفتاح، فالهوية المعتزة بذاتها هي هوية سائدة - فكما يقال: لا يفتح ذراعيه من كان مطأطأ الرأس

قامت الثورة في ٢٠١١ نتيجة تراكمات هدم الهوية اليمنية فقد شعر اغلب اليمنيين ان الدولة لا تمثلهم
فالدولة و قوامها هما الأنموذج المجسد و المعبر عن الهوية الوطنية
كانت الدولة في نصابها الوازن مكونة من هوية محدودة (سنحان و حاشد) و هما عنصران بسيطان من مكونات الهوية اليمنية العميقة و المتعددة و الشاملة
شكلت الثورة رفضا واضحا لهذا الاختزال و التقزيم لليمن و هويته المستوعبة و العابرة
فالقبيلة و القرية ليسا اليمن و لا يمثلان وطنا بحجم اليمن و مجتمعاته و حضارته
و انما جزءاً يسيرا من فسيفساءه الشاسع و يجب ان يأخذا مكانهما و لا يتجاوزانه، مع لزام المشاركة في إطار العدل و الازدهار الجمعي لكامل مكونات الوطن

تحالفت هوية قرية سنحان مع هوية السلالية الهاشمية (الهوية الحوثية - التي نمت فصارت مليشيا) لعلهما ينقضان و يجثمان على الهوية اليمنية و يختزلان الدولة
كلاهما هويتنا طارئتان صغيرتان
فيما هوية قرية سنحان كانت مكون اصيل من هوية
القبيلة الا ان تضخيمها من قبل الرئيس السابق علي صالح جعلها هوية طارئة شاذة فقد جعل منها حزبا (المؤتمر الشعبي)  و دولة
فيما شذوذ الهوية الحوثية هو شذوذ أصيل كونها نتاج سفاح ميكروفيلي إيراني بعصبية سلالية محلية بائدة
 استغل الايرانيون فكرة الاصطفاء الالهي البالية في الحكم السياسي للهاشميين من البطنين في المذهب الزيدي و التجاذب العسكري بين الإصلاح و الموتمر و شهية الغرب لابتزاز عرب الخليج لينفذ للمشهد السياسي و العسكري اليمني و يحول اليمن (او شمال شماله) لقاعدة عسكرية لتوسيع نفوذ الفرس في جزيرة العرب و السعودية بالاخص

تعمل مليشيا الحوثي بشكل حثيث على خلق هوية شاذة في شمال الشمال عبر تأصيل أفكار دخيلة كالولاية و تقديس الحسين و آلِ البيت و كراهية الصحابة و تكثيف الاحتفالات المذهبية التي لم يعهدها اليمنيين كاحتفالات يوم غدير خم و استشهاد الحسين و الخ كل ذلك لخلق الولاء لإيران و ليس اليمن و لا العروبة
فايران تعلم جيدا ان الهويات الدينية هي من أصلب انواع الهويات لذا تعمل جاهدة على غسل الادمغة و تلويث المذهب الزيدي و جني الاتباع بهوية تعلي سيادة نظام الولاية الفارسي الاثنعشري على حساب الهوية اليمنية الوطنية

اشكالية الهويات الصغيرة عندما تنقض على الدولة انها لا مستوعبة و لا عابرة ما يقتضي عصبيتها و انقضاضها على الأخريات
و هذا ما حدث عندما اذل و اجهز الحوثيون على شركائهم من جهوية سنحان و حاشد
و معهما كعرض مجاني على حزب المؤتمر احد اكبر احزاب اليمن (فهويته كانت في حقيقتها جهوية سنحانية)

يشوهون الوطنية بالهشومة
فالان يحاول الحوثيون ان يختزلوا الهوية اليمنية بالهشومة (اخضاع اليمنيين للهوية و لحكم الهاشمي) و يفندهم لقناديل/سادة (اليمنيون من أصول قرشية) و زنابيل/التابعين ( باقي اليمنيين)
القناديل تتبع ملالي ايران و الزنابيل تتبع القناديل

الهويات الصغيرة قد تنتفش حينا فتصبح دويلة و لكنها سرعان ما تزول فهي تحمل بذور فنائها في ذاتها، في عصبيتها البدائية اللا مستوعبة و اللا مرنة

في منطقة اخرى من اليمن في ماكان يسمى الجنوب العربي (اليمن الديموقراطي لاحقا) فقد تم تخليق هوية شاذة تحت الاستعمار البريطاني و هي نتاج سفاح لاغتصاب بريطانيا لعدة مناطق من اليمن

حيث حاول المحتل تخليق هوية مشوهة اسماها الجنوبي العربي محاولا ان يخلس الارض و الانسان و التاريخ اليمني من كيانه
فالمسمى (الجنوب العربي) في حد ذاته مسخرة
فالجنوب العربي ممتد من عُمان حتى موريتانيا و وليس محصورا بجنوب اليمن
كما انه اختزل شرق اليمن فالمهرة و حضرموت و شبوة ليسوا جنوب اليمن بل شرقه و هي مناطق اكبر بكثير من جنوب اليمن
و كما ان تعز و نصف إب هي اكثر جنوبا في الجغرافيا اليمنية من الضالع و يافع و شمال شبوة و حضرموت و المهرة و الذي اعتبرهم المسمى جزءا من الجنوب

تشويه و تلويث للهوية و الانسان و الحضارة اليمنية كان مقصده تمزيق الوطن و اضعافه و استمرار السيطرة عليه و نهب خيراته من قبل المستعمر
فعديم الهوية مطية كما يقال
و اللي ماله اصل ماله مستقبل

تعاظم و اشتد هذا التشويه للهوية بمحاولة توطين و استخلاق الهوية الماركسية الملحدة و خلطها بمكونات من عصبيات قبلية و بدوية غير قابلة للتمازج، و كان ذلك في السبعينيات و الثمانينيّات و التي أتت على اجزاء كبيرة مما تبقى من هوية اليمني الحضارية العريقة

تعاني هذه الهوية التي يدعي أصحابها انها جنوبية  عقدة النقص و الاضطراب كونها خليقة علاقة منجسة بمغتصب مستعمر اجنبي
و الاولى ان تمحي اثار الاغتصاب باحذية من عانوا ويلاته و لكن هوانها و اضطرابها يجعلها تجثي خاضعة تبيع نفسها و هويتها و حضارتها و تصرخ انا الجنوبي العربي
في مشهد سريالي لمهزلة الانسان اليمني

ازمة الهوية هذه خلفت كوارث فدولة اليمن الديموقراطي أقامت حكمها على الاقصاء و الدكتاتورية و مزقت كثير من مكونات الهويات الوطنية الأصيلة المختلفة فقد قضت على و قتلت مشائخ القبائل و السلاطين و التجار و علماء الدين و كثير من منتمي الطبقة المتوسطة المتعلمة بدعوى الإقطاعية و البرجوازية و الرجعية و العمالة للاستعمار البريطاني
لقد أقصوا و همشوا أبناء عدن و حضرموت بوحشية تامة
فقد تحول النظام الماركسي الى تشكيلة قيادية من القرويين من قبائل الجبال في الضالع و يافع و بدو السهول من ابين و قليل من بدو شبوة و الحضارم
و كانوا هذه المرة يرزحون تحت الاستعمار الروسي و لكن بطرق اخرى

فر غالبية السكان من هذا الكيان المشوه الى اليمن الجمهوري و دول الخليج فقد شعروا انه لا يمثلهم و لا يتسق مع هويتهم اليمنية و لا ما كانوا يعدونه وطنا

انتهت المدنية و الحداثة في مدينة عدن و تحولت الى قرية كبيرة
نتيجة توسع دوائر الاقصاء و الاختطافات و القتل و تحولت الى مدينة اشباح بعد ان كانت احدى اهم موانىء العالم و اكثر المدن نشاطا في جزيرة العرب
هذه الهوية المضطربة عكست نفسها في جلد الذات فقد ارتكبت المجازر الوحشية البشعة في بداية السبعينات و في ٨٦

بعد انهيار روسيا اصبح اليمن الديموقراطي كيان بلا هوية
ارتمى في احضان اليمن الجمهوري لعله
يجد نفسه
يعيش وطنه
يتعرف على هويته اليمنية
و لكنه وجد ان الوطن و الهوية سنحان
وجد علي صالح الذي وفاهم حسابهم و قشط ما تبقى من ذاتهم المضطربة

فروا فزعا محاولين الفكاك في ٩٤
لكن من لا هوية له، لا مستقبل له
و مارس السنحانيون الاقصاء و التهميش ضد قبائل الضالع و يافع و الذين كانوا  في حرب ٨٦ قد اعتدوا بوحشية مرعبة على بدو ابين و همشوهم (ابين صاروا حلفاء صالح في حرب ٩٤)

(فعلا الدنيا دوارة، و شهدنا الانتقام في يناير ٢٠١٨ و في اغسطس ٢٠١٩ نفس الفيلم الوحشي و لكن بنكهات و اخراجات مختلفة بين الضالع و يافع من جهة و ابين و شبوة من جهة)

بعد حرب ٩٤ اعتقد سكان اليمن الديموقراطي انه لربما ستعم الوطنية الان و سيجدون هويتهم الضالة
و لكن السنحنة لم تتفهم اللحظة التاريخية و فشل صالح مجددا في تحويل اليمن الى هوية
و مضى ماعنا يشوه الوطنية بالسنحنة

بداء الحراك الجنوبي في ٢٠٠٧ في عدن (وهو الذي يحاول ان ينأى او يتبرء من يمنيته)
و تبعه ثورة ٢٠١١ في صنعاء تحاول الانتصار للهوية اليمنية
كلهم للفكاك من لبوس الهوية السنحانية و لكن بمسارات مختلفة

يظن المجلس الانتقالي و هو جزء من الحراك الجنوبي و يدعي انه قائده انه قادر على ان يصنع دولة في مساحة اليمن الديموقراطي السابق
و المجلس الانتقالي هو ايضا صاحب هوية شاذة فهو نتاج سفاح اماراتي غير شرعي مع زعامات بشكل رئيسي من قبائل الضالع و يافع
الذين باتوا يفضلون الظهور بالعقال و الدشداشة عن المشدة و المقطب
و يستخدم السادة الاماراتيون المجلس الانتقالي كعصا عقاب ضد هادي و الشرعية و بدو ابين و شبوة

يحاول الحراك الجنوبي في إطاره الاوسع ان يخلق هوية و لكنه عاجز ما يلبث ان يعيد استفراغ فشله
فأبناء عدن لايشعرون ان قبائل الضالع و يافع تمثلهم فهم قرويون و لا يجسدون مدنيتها و شخصيتها المتنوعة المستوعبة المرنة
و بدو ابين و شبوة لا يتنازلون للزعامة لقبائل الضالع و يافع و لا يستطيعون التمازج معهم
و احداث اغسطس ٢٠١٩ فجرت الجروح الغائرة و الثارات القبلية بين الطرفين منذرة بتمزيق عدن و جوارها
و القبائل و البدو ينظرون للعدنيين و كثير من سكان لحج بأنهم متمدنون ضعفاء لا يستحقون ان يحكموا و يتحكموا
و الحضارم قوم معتدين بثقافتهم و تاريخهم العريق فربع مسلمي العالم دخلوا الاسلام على أيدي اجدادهم و هم ينظرون لبدو ابين و شبوة و قبائل الضالع و يافع نظرة دونية فهم يرونهم بدائيون بالمقارنة بهم و لا يستحقون حكم حضرموت و لا تريد حضرموت الانضمام لهم و لا بهويتهم الجنوبية المشوهة

لا إشكال بوجود عدة هويات و حتى وجود هويات مشوهة شاذة في مجتمع ما ما داموا جميعا في إطار هوية وطنية جامعة تجسد التعايش و التفاعل السلمي الخصب مع الهويات الاخرى و حتى الثقافات العالمية المختلفة

الإشكال هو بالطريقة التي تظهر فيها بعض الهويات نفسها و تتعامل مع الهويات المحلية الاخرى و الثقافات العالمية المختلفة
فالطريقة القائمة على التعصب و العنف و الاقصاء مدمرة و تنتهي بتدمير أوطانها و مجتمعاتها و من ثم ذاتها
و لذلك قال الرسول ص ان ليس منا من دعا الى عصبية
فالعصبيات هي جاهليات منتنة تفسد الانسان و تنشر الدمار

على الدولة حسن تكوين و ادارة الهوية الوطنية و حسن ادارة مختلف الهويات المكونة للهوية الوطنية  ان ارادت البقاء

ان هوية وطنية قويمة تعتز بالتاريخ اليمني الأصيل و المشترك الممتد ل ٥٠٠٠ عام و تحافظ على ارضه و تُخلَّق في فضاءه الحضاري بعقد اجتماعي مؤسس على العدالة و المواطنة المتساوية و لا يتنكر لها اليمنيون قادرة على إنهاء الصراعات في اليمن و تقويم كل الهويات الشاذة و إنهاء حالة التمزيق الوطني الذي نشهده و يستغله الأعداء و الطامعون
هذه الهوية سيكون فيها من السعة و العمق ما يجسد اجمل و أقوى مافي الهوية اليمنية و يؤسس لهوية وطنية متينة قادرة على الارتقاء بكل اليمنيين و بلا استثناء و إشعارهم بالانتماء التام و تكوين نواة صلبة لبناء دولة يمنية عظيمة و حمايتها و صَونها لتأخذ مكانتها المتقدمة بجدارة بين مختلف دول العالم

ليست هناك تعليقات: